بسم الله الرّحمن الرّحيم
المـــوضـــــــوع : مبحث حول جنـّة سيدنا آدم : هل كانت فى الأرض أم فى السماء ؟
الكاتب: بهاء الدين عبد الفتاح عبدالله الجوهرى
( معلم ثانوى بالتربية والتعليم المصرية )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمدُ لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين – سيدنا مُحمّد وعلى آله وصحبه أجمعين
وبعد ،،،،،،،
إنّ المفسرين قد اختلفوا في تحديد الجنة التي دخلها أبونا آدم وأمّنا حواء ـ عليهما السلام ـ هل هي جنة المأوي المعروفة باسم جنّة الخُلد ، وهي دار الجزاء والخلود ، ولا يخرج داخلها أبدا.
أم هي جنة في الأرض أعدّها الله ـ سبحانه وتعالي ـ لهما, وجعلها دار ابتلاء واختبار ، وفى هذا البحث سأحاول - فضل الله وعونه - أنّ أوضح بالآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة والتى سوف أستعرضها أنها كانت جنة علي الأرض .
وهنا تُثارٌ بعض الأسئلة فى هذه القضية قضية :1. أين مكان تلك الجنـّة التى أُدخلها أبونا آدم وأمنا حواء ؟ هلْ هذه الجنة فى الأرض أم فى السماء ؟
2. ومدى صحة استدلال العلماء أنها جنة فى السماء ؟
3. هل الجنّة التى دخلها سيدُنا آدم – عليه السلام – هى جنة الخلد - المأوى - التى هى فى الدار الآخرة- والتى وصفها الله بأنّ عرضها كعرض السموات والأرض- أم جنة خاصّة بسيدنا آدم عليه السلام مكافأة له على شكر نعمة العلم ؟ كجزاء وبُشرى له ولذريته من بعده بأنّه من شكر النعمة له الجنّة .
قال تعالى : " مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ " (الأنعام:160)
4. وإنْ كانت فى السماء كيف دخلها الشيطان وهو مطرود من رحمة الله بنص القرآن ؟
6. وولو كانت جنـّة المأوى إذ ًا فلماذا هى محدودة النـّعم ( الضروريات التى تكفل الحياة ) ؟
7. هل فى جنّة الخلد (الآخرة )ابتلاء ؟ إذًا لماذا اُبتـُلىَ سيدنا آدم بعدم الأكل من الشجرة ؟
8. ولماذا ا ُستـُخدِمَتْ مادة( هـ ب ط ) دون غيرها من المفردات فى خروج سيدنا آدم من الجنة ؟
9. وهل للشيطان المطرود من رحمة الله أن يدخل الجنة ( جنّة الخلد أو المأوى ) ليوسوس لهما ؟ .
وللرد على الأسئلة السابقة علىّ أنْ أقوم بما يلى :
- أولا : استعراض رأى المفسرين والرد عليها على استدلالتهم التى احتجوا بها على صحّة رأيهم .
- ثانيا : عرض الأدلة التى تؤيد أنّ الجنّة التى أ ُدخلها سيدنا آدم كانت أرضية وليست جنّة الخـُلد ( المأوى ) .
فالموضوع يدور حول نقطتين :
الأولى : أين كانت جنـّة سيدِنا آدم - عليه السلام - ؟ هل كانت فى السماء أم هى على الأرض التى أ ُستـُخلِفَ فيها ؟
الثانية : وهل استدلال العلماء أصحاب الرأى القائل بأنّ الجنـّة التى أ ُدخِلَها سيدُنا آدم كانت فى السماء استدلالا قاطعًَا أم هناك ما يُنَاقِضـَه .
وبفضل الله نبدأ أولا بالرد على من استشهد بكلمة { الهبوط } كدليل على أنّ ( الحنّة فى السماء )
وليكن فى معلومنا أنّ مادة { هـ ، ب ، ط ، تكررت ثمانى مرات فى القرآن } وهم على التوالى والترتيب :
ْقوله تعالى : " فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ "(البقرة:36
" قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ " (البقرة:38)
" وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ " (البقرة:61)
" ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ " (البقرة:74)
" قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ " (لأعراف:13)
" قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ " (لأعراف:24)
" قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ " (هود:48) " قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى " (طـه:123)
واللفظتان اللتان تستحقان التوقف عندهما هما :
اللفظة الأولى : { يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ } لأنّه قد يقول قائل إنّهما بعيدة عن مُراد البحث ومنهجه - ففى هذه الآ ية لفظة- يَهْبِطُ - تحتمل معنيين :الأول : النزول من أعلى لأسفل { السقوط – النزول } وهذا بعيد المعنى لأنـّها تعنى التّفتُتُ خوفـًا من الله وخسيةً منه .
الثانى : عدم الرضى عن بنى اسرائيل ؛ لأنّ الحجارة أليَن من قلوبهم فى استقبال كلمات الله والخشية من الله ، أمّا بنو اسرائيل فقلوبُهم أشد صلابة وقسوة من الحجارة .
واللفظة الثانية : من سورة هود فى قوله تعالى { قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ } جاءت شبه موصوفة بالسلام والبركة من الله عليه وعلى من آمن معه ولم يُطلق اللفظ على عمومه بل قـُيّد بالوصف المذكور.
أمّا مادة – هـ ب ط - فى باقى الآيات جاءت فى موضعها ومدلولها الذى نستشعر منه أمرين :
أ ) - السخط والغضب من الله على المـُتحدث إليه .
ب ) النزول المعنوى والمنزلى والكرامة والدرجة .
وإليك عزيزى القارىءعرض لبعض الألفاظ المستخدمة من مادتان هما :
( س ، ق ، ط ) و ( ن ، ز ، ل )
ومادة سقط جاءت لتدل على نزول الشىء الساقط من أعلى لأسفل بوضوح
قال تعالى : " فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (الشعراء:187) قال تعالى : " وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطاً يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ " (الطور:44)
ولاحظ قوله تعالى من سورة مريم "وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً " (مريم:25)
أما كلمة "أنزلنا "جاءت ثلاث وخمسون مرّة أذكر بعضها
"فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) (البقرة:59)
"وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ) (البقرة:99)
"إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) (البقرة:159)
"إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً) (النساء:105)
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) (النساء:174)
" إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (المائدة:44)
" وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (المائدة:48)
" وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ) (الأنعام:8)
" وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) (الأنعام:92)
" فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) (يونس:94)
" إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (يوسف:2)
" وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا وَاقٍ) (الرعد:37)
" الر* كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (ابراهيم:1)
"كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ) (الحجر:90)
" بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (النحل:44)
" وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً) (الاسراء:105)
" وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً) (الكهف:45)
" وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً) (طـه:113)
" َقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (الانبياء:10)
" وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) (الانبياء:50)
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مَنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) (الحج:5)
" أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ) (الروم:35)
" خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) (لقمان:10)
"لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحديد:25)
"إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ " (الدخان:3)
"وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً" (النبأ:14)
وكلّـُها تدل بالقطع بحيث لامجال لتأويل على أنّ :
1. النزول من أعلى لأسفل . ( وإنْ اختلفت الدلالة بين مشتق ومشتق آخرلنفس المادة )
2. تدل على كيفية النزول للشىء المُنزّل ( دفعة واحدة أم مُفَرّق ) ولامجال لبيانه هُنَا .
3. كما تدلّ على أنّ الشىء المُنزّل مادى ومحسوس ( ماء – قرآن – حديد )
وممّا سبق يتضح الفرق بين ( هـ ، ب ، ط ) ، ( ن ، ز ، ل ) ، ( س ، ق ، ط ) فى الاستخدام وهُناك فرق بين استخدام مادتى ( نزل ، وسقط ) ليس وقت بيانه الآن :
تعليق على هبوط بنى اسرائيل مصرَ
ُفبنو اسرائيل عندما سألوا نبيهم موسى -عليه السلام - التنوع فى الأطعمة أرشدهم الله- وهو غير راضٍ عنهم - نزول مِصْرَ وكان سياق الإرشاد من المولى تبارك وتعالى "....اهبطوا مصرًا .." ولم يقلْ عز وجلّ " انزلوا مصر "إذ ًا هذا الاستخدام له خصوصية ومن الخصوصية التى نلمحها:
الأول :السخط والغضب من الله ؛لأنّهم استبدلوا الذى هو أدنى من الأطعمة ( الثوم والبصل والقِثاء والعدس ) بالذى هو خير ( المن والسلوى ) الذى اختاره المولى تبارك وتعالى لهم من أطايب الطعام ، وطلبوا ما هو أدنى منه ، ولذا كان الغضب والسخط فقال تعالى : " ...وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ..." البقرة
الثانى : كما أنّها تدل على الهبوط المعنوى وليس المادى أى هبوط درجة لأنّهم (لم يكونوا خارج نطاق الأرض ثم طُلِب منهم النزول للأرض وبخاصة أرض مصر )
الثالث : أن المنّ والسلوى يأتيهم من الله دون شقاء أو سعى منهم ليأكلوا منه ، وإنـّما يأتيهم برحمة الله وقد اختاروا السعى والشقاء على رحمة الله .
وهذا عرضٌ للآية قال تعالى : "وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى{ البقل – القِثاء – الفوم أو الثوم – العدس - البصل }بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ { المنّ والسلوى } اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ " (البقرة:61)
والدليل على علو مكانتهم عند الله بإيمانهم ، قال تعالى: " يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ " (البقرة:47) بسبب إيمانكم ، فهذا فى حقّ المؤمنين من بنى اسرائيل من قوم موسى - عليه السلام .
وليس هذا خاصًا ببنى اسرائيل من قوم موسى عليه السلام بل فى حقّ المؤمنين من بنى اسرائيل من قوم عيسى - عليه السلام. قال تعالى : " إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (آل عمران:55)
وأيضًا فى حق المؤمنين الذين آمنوا مع باقى الرسل فالمؤمن مكرّمٌ بإيمانه وله منزلة عالية عند ربّه فقال تعالى فى سورة يس :"إِنّيَ آمَنتُ بِرَبّكُمْ فَاسْمَعُونِ 25 قِيلَ ادْخُلِ الْجَنّةَ قَالَ يَلَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ 26 بِمَا غَفَرَ لِي رَبّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ 27 } يس
وكذلك فى أمّة محمد – صلى الله عليه وسلّم قال تعالى : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات:13)
بيان وتفصيل يوضح المقصود ويعمقه.
إنّ من سُنـّة الله فى الخلق- أنّ منْ بدّل نعمة الله كُفرًَا - يُبدل الله عليه النعمة الهنيئة الطيبة قال تعالى تأكيدًا لهذه السُنـّة الإهية فى موضع من سورة الأعراف
قال تعالى : "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (لأعراف:96)
وفى موضع آخر من سورة سبأ : " فَأَعْرَضُوا { عن المنهج } فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ) (سـبأ:16) (والباء تدخل على المتروك )
أقال تعالى : " أََلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَار ِ28 جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ29 ) (ابراهيم:)
ومن نعم الله على سيدنا آدم أنْ علـّمه كلماتٍ ليتوب عليه وعلى ذريته من بعده قال تعالى : " فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (البقرة:37)
وقال عزّ وجل ّفى توبة سيدنا آدم وزوجه : " قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ "(لأعراف:23)
ثانيًا : الاحتجاج بتعريف الجنّة بـ [ أل التعريف]
والاحتجاج بتعريف( الجنة) التي أسكنهاالله أبانا آدم ـ عليه السلام ـ لا يدل أبدا علي أنها جنة المأوي، وذلك لأن الألف واللام هنا للتعريف, وليست للتعميم .
ويُستـَدلُ علي عدم واقعية هذا القول ومجانبته للصواب جاءت نصوص القرآن الكريم بذكر جنة من جنات الأرض بالتعريف , وذلك فى قوله تعالى :
﴿ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ ﴾ ( القلم:17)
فهل معنى ذلك أنّ جنّة أصحاب الجنّة كانت فى السماء لأنّها مُعرّفة ( بأل ).
ثالثا : وقد استدل بعضهم فى طيات حديثه بقوله تعالى : {... ومتاعٌ إلى حين }
ْفى قوله تعالى : " فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ "(البقرة:36 )
ووجه الاستدلال بكلمة ( حين ) والمقصود بهذا الحين هو أجل كل منهما، وأجل كل فرد من ذريتهما إلي قيام الساعة، ولا يعني ذلك أبدا أنهما كانا خارجين عن حدود الأرض ونطاقها ، فقد خُلِقـَا منها(أى ألأرض) ، وأدخلا الجنة عليها , وأهبطا من تلك الجنة الأرضية هبوطا معنويا بسبب المعصية لأوامر الله .
يهبطُ كلًا منهما من مقومات الرعاية الإلهية الكاملة التي لا يُكَلَفُ الفردُ أية مسئولية فيها عن توفير احتياجاته ( سواء الضرورية منها أو الكمالية) .
يهبطُ إلي واقع الكدح الحقيقي والشقاء من أجل توفير تلك الضروريات أومن أجل توفير شيء من تلك الاحتياجات والذى يُؤكد هذا المعنى قال تعالى : " فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى" (طـه:117) فيتحمّل المسئولية كاملة عن تحقيق تلك الضروريات , لأن أبوينا آدم وحواء مخلوقان ابتداءً للحياة علي هذه الأرض ، كما يُؤكّدُ ذلك قوله تعالى ﴿ قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ ﴾
( الأعراف:25)
ولذلك قال ـ تعالي ـ: ﴿... إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَة ) البقرة:
ويؤكد ذلك أيضا من أقوال المصطفي ـ صلي الله عليه وسلم ـ قوله الشريف: إن الله ـ تعالي ـ خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، وجاء بنو آدم علي قدر الأرض: فجاء منهم الأحمر, والأبيض, والأسود, وبَيْنَ ذلك, والسهل والحزن, والخبيث والطيب " . ( أخرجه من أئمة الحديث: أحمد, وأبو داود, الترمذي, والبزار, وابن حبان).
والخلاصة أنّ جنّة سيدنا آدم كانت فى الأرضللأسباب التالية :
1.تعريف كلمة الجنـّة ليست دليلا على أنّها فى السماء ، فقد عُرِّفَتْ جنة أهل الأرض كذلك قال ـ تعالي:﴿ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ ﴾
2. جنـّة سيدنا آدم- عليه السلام - تمّ فيها الابتلاء ( بعدم الأكل من الشجرة ) .وجنـّة الخلد ليس فيها ابتلاء قال تعالى : " وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ"(لأعراف:19)
3.جنـّة سيدنا آدم - عليه السلام - محدودة النـّعَم وهو ما يخصّ ضروريات الحياة وجنـّة الخُلد نعيمها متنوع ودائم وليس مقصورًا على الضروريات بل كل المتاع .( وليس مُجرد طعام – سترة البدن – الماء – المأوى )
قال تعالى : "إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى 118وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى119"طـه.4.جنـّة سيدنا آدم - عليه السلام - دخلها الشيطان وجنـّة الخلد لايدخلها الشيطان أبدًا.
قال تعالى : " فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَانَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ " (لأعراف:20)5. جنـّة سيدنا آدم عليه السلام نعيمها منقطع ( بالمعصية ) وجنـّة الخلد نعيمها دائم وليس فيها مجال للعصيان أو ارتكاب المعاصى لأنّها ليست دار ابتلاء إنّما هى دارجزاء .
" فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ " (البقرة:36)
6. خـُلِقَ الإنسان ليُستخلـَفَ على الأرض ، فلما يبدأ حياته فى السماء .
- قال ـ تعالي ـ: ﴿... إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَة ) البقرة
- قال تعالى ﴿ قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ ﴾( الأعراف:25)
- قال تعالى : " منها خلقناكم وفيها نُعِِيدُكُم { بالقبر فى الأرض }ومنها نخرجكم تارةً أُخرى{ بالبعث } 55" طه
كما نستخلص من الموضوع بعض المعانى منها :
- إنّ الإنسان لايكاد ينتهى من ابتلاءٍ إلا ودخلَ فى الابتلاء آخر ، كم اُبتُلى أبينا آدم بنعمة العلم ثم نجح فى أدائها ثمّ اُبتلى بعدم الأكل من الشجرة التى حددها المولى تبارك وتعالى ، فقد تتابعت الابتلاءات فما يلبث العبد المؤمن أن يخلص من ابتلاءٍ حتى يدخل فى ابتلاءٍ آخر ، فسيدنا آدم لم ينتهِ من الابتلاء الأول ( نعمة العلم وشكره النعمة ) حتى دخل فى ابتلاءٍ آخر وهو عدم الأكل من الشجرة ولم يوفق فيه قال تعالى فى هذا الابتلاء خاصةً: " وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً " (طـه:115) .
- العابد البشرى المطيع لله هو عندالله أفضل من الملائكة المقربون لأنهم جُبلوا على الطاعة ، أمّا الإنسان فهو يجاهد شهواته ورغباته ليُرضى ربّه .
- الجنة التى دخلها سيدُنا آدم - عليه السلام - جنّة خاصة به مُكافأة من الله على شكر نعمة العلم لأنّه طُلبَ منه أن يُخبر الملائكة بالأسماء فأنبأهم بها والإنباءُ دليلُ الحفاظِ على النعمة وأنه بلـّغـَها حين سنحت له الفرصة وطـُلِبَ منه ذلك فكافأهُ اللهُ بأنْ( أسجد له الملائكة وأدخله الجنّة ) كما نؤكد على محدودية النعم ، ولذلك وصفها ربنا ـ تبارك وتعالي ـ موجها الخطاب إلي أبينا آدم ـ عليه السلام ـ قائلا له:﴿ إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَى . وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَى ﴾ طه:119 ، 118
- ومن سُنـّة الله قال تعالى : " مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ " (الأنعام:160و يُرجحُ هذا ويؤكدّه قوله تعالى: " وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ " (ابراهيم:7)
- خلق الله الإنسان ليعيش على الأرض واستخلفه الله فيها ( لإقامة العدل شِرْعَةِ الله)
فالله لَمْ يخلقه ليسكنُهُ السماء ؟ !! قال تعالى : "الذى جعلَ لكم الأرضَ مهدًا وسلك لكم فيها سُبُلا وأنزل من السماءِ ماءً فأخرجنا به أزواجًا من نباتٍ شتى 53 كلوا وارعوا أنعامكم إنّ فى ذلك لآياتٍ لأولى النُهى 54 منها خلقناكم وفيها نُعِِيدُكُم { بالقبر فى الأرض }ومنها نخرجكم تارةً أُخرى{ بالبعث } 55" طه
- قد لايُوفق المرء فى أحد الابتلاءات وقد ينجح فى آخرفعليه المبادرة بالتوبة إلى الله والاستغفار كما فعل أبونا آدم - عليه السلام – قال تعالى : " قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ " (لأعراف:23) .
- يرفع الله أصحاب العلم على من دونهم قال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (المجادلة:11) وقد رفع الله سيدنا آدم فوق الملائكة بشكر نعمة العلم فأسجدهم له .
- من أعظم ما أنعم الله به على بنى آدم نعمة العلم لأنّها من أوائل النعم التى يُنعم الله على أنبيائه ، فهذا سيدنا آدم وقد أنعم الله عليه بنعمة علم اسماء الأشياء إذ قال الله- تعالى -:" وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ 31 قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيم ُ32 ثم كان الاختبار والابتلاء إذ قال الله تعالى : " قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ ....." ثمّ اجتياز الاختبار إذ يقول" .... فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ "
فكافأه الله بـمكافأتين هما :
- أن أسجدَ له الملائكة وما دونَهم من المكلفين ( الجن ) .
- - أدخله الجنـّة
و قال تعالى : " فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ " (النمل:42)
وقال تعالى : " وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) (النمل:16)
وقال تعالى : " قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) (النمل:40)
وأول ما نزل على سيدنا محمدٍ – صلى الله عليه وسلّم – قوله تعالى { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } (العلق:1) و.........{اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ } (العلق:3)
وأول فعل لرسول الله بعد انتصاره فى غزوة بدرٍ الكبرى أن يُعلم الأسير المشرك عشرة من المسلمين القراءة والكتابة .
وهُنا تنويه قد يقول قائل مالك والاجتهاد أو تأويل القرآن ؟ !!!!
وهنا أذكرُ مثالا نبويًا يدل على أنّ الرسول يسمح بحرية الاجتهاد للتقدم الأمة وتعلو ؛ فاجتهادُ صحابةِ رسولِ اللهِ- صلى الله عليه وسلم – وهو بين ظهرانيهم ولم يُعقب عليهم أو يمنعهم فمنهم من حملَ كلام الرسول – عليه الصلاة والسلام – على حرفية اللفظ ومنهم من حملَه على معناه فى قوله عليه السلام " ... لـُنصليَنّ العصر فى بنى قُريظَة "
فريق ٌمنهم قال المقصود من قوله - عليه السلام - " ... لـُنصليَنّ العصر فى بنى قُريظَة " الهمّ فى المسير لندرك العصر هناك وحينما حان وقتُ الصلاة وهم فى الطريق صلوا العصر على وقـتِه حينما أدركهم وقتـُه. ( فريق المعنى )
والفريق الثانى تمسك بحرفية القول ونَظـَرَ الصلاة - أىّ أجَلـّها - وأخـّرَها لحين دخولهم أرض بنى قُرَيْظَة ( فريق الحَرْفَيَةِ )
ورسول الله بينهم ولم يعتب أو يعيبُ على هؤلاء أو أولئك .
وهذا يدل على أنّ باب الاجتهاد لم يُغلق بعد وما زال مفتوحًا طالما :
1. لا يُحلّ ُ حرامًا أو يُحرم حلالا .
2. لا يَخلّ ُ بقواعد الدين وأسسه ومبادئه ولاينقضها .
3. أنْ يكون بغرض التدبُر وإبراز المواعظ والعِبَر منه لا بغرض التشكيك والتبديل وتلبيس الأمر على الناس
قال تعالى -: " أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً " (النساء:82)
قال تعالى : " أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا " (محمد:24)
وقد عاب سبحانه على مَنْ ألبس على الناس دينهم من أهل الكتاب
قال تعالى : " يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ " (آل عمران:71)
فالإنسان إمّا أنْ يُزكى نفسه بالطاعة لله فيرتقى حتى يُحبّه الله ، أو يتبع الهوى والشهوات فيقع العقاب والسخط عليه من الله- أعاذنا الله وإياكم من سخطه وعذابه - قال تعالى : " وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا 7 فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا 8 قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا 9 وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا 10" (الشمس)
اللهمّ زكّى نفوسنا أنتَ خيرُ من زكّاها ، أنتَ وليُها ومولاها ونشكركم على تواصلكم وتعاونكم ووفقنا الله وإيّاكم إلى ما فيه الخير
تعليقات