لماذا سأل سيدُنا إبراهيم ربّه أنْ يريَه كيف يُحيّ الموتى ؟


بسم الله الرّحمن الرّحيم
الموضوع : لماذا سأل سيدُنا إبراهيم ربّه أنْ يريَه كيف يُحيّ الموتى ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مُقدمة :
            الحمدَ لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف المُرسلين سيدِنا مُحمّدٍ وعلى آله وصحبه أجمعن ومن سار على دربه واهتدى بهداه إلى يوم الدين .                أمّ بعد
إنّ سيدَنا إبراهيم مرّ بمرحلتين :
المرحلة الأولى ( الاعتراض والبحث )
هُناك أمران مُسَلَمَان ِبهما ، والأمران متزامنان ومتلازمان و يخصّانِ سيدَنا إبراهيم َ.
الأول : وهو اعتراضُه على دين آبائه وأجداده وقومه  .
والثانى :  إنّه يبحثُ عن دين يتواءم مع فطرته السليمة النقية . وتفصيل ذلك .
       إنّ سيدَنا إبراهيم كان معترضا على عبادة قومه أصنامأ – وهو الأشهر والأغلب – وعبادة النجوم وغيرها قال تعالى : " وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (الأنعام:74)
وقال تعالى : " وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ) (ابراهيم:35)
وقال تعالى : " وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) (الانبياء:57)
 وقال تعالى : " قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ) (الشعراء:71)
 وقال تعالى: " إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ) (الانبياء:52) على لسان قومه  
وممّا سبق يتضح أنّ :
1.     سيدَنا إبراهيم غير مُقتنع فىما يعبُدُ هوءلاء القوم .
2.      سيدنا إبراهيم كان يبحث عن دين يتوافق مع الفطرة السليمة التى خُلِقَ عليها .
أدلة سلامة الفطرة ونقائها
قال تعالى : " وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (البقرة:135)
 قال تعالى : " مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (آل عمران:67)
 قال تعالى : " قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (آل عمران:95)
 قال تعالى : " وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) (النساء:125)
 قال تعالى : " إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (الأنعام:79)
 قال تعالى : " قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (الأنعام:161)
 قال تعالى : " وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يونس:105)
وهذا البحث استمرّ طويلا من سيدِنا إبراهيم - عليه السلام - المعترض ، الثائر ، على دين قومه وعبادتهم أصنامًٍا لاتضر ولاتنفع . وهذه هى.
مرحلة البحث
 قال المولى تبارك وتعالى :
"وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِين 75  فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ 76  فَلَمَّا رَأى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ  77  فَلَمَّا رَأى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ 78  "  الأنعام
   والذى يُرجحُ - هذا الظنّ -  
1.      المقارنات التى عقدها سيدنا إبراهيم بين الكوكب ثمّ القمر ثمّ الشمس .
2.      إنّ عقد المُقارنات لايتأتى إلا إذا كان سيدُنا إبراهيم يرى الكواكب بواسطة وليس بالعين المُجردة .
3.      وهذا لايتأتى إلاّ إذا كان يعمل فى مَرصدٍ يرصدُ به النجوم ، وتلسكوبات يرى بها أحجامها وخصائصَها المُمَيّزَةَ لها عن غيرها .
4.       فتعرّف من خلال الرصد على أثر هذه الكواكب فى الحياة على الأرض .
5.      ومن ثَمّ على قدرة الله ، فعلم أنْ هناك قوة أكبر وأعظم خلقتْ وقدّرتْ وأبدعتْ وأتقنتْ كل شىء خلقـَتْهُ ، هذه القوة هى  الله الذى  " لاإله إلاّ الله "
ولذلك كان تزييل الآية بقوله تعالى:" ..... وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِين "75 الأنعام
وقد قال ابن ابن كثير- رحمه الله- فىتفسير  قوله تعالى من سورة الأنعام:"وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ" (الأنعام:75 ) قال ابن كثير-رحمه الله- أي نبين له وجه الدلالة في نظره إلى خلقهما على وحدانية الله عز وجل في ملكه وخلقه وأنه لا إله غيره ولا رب سواه.
ونقل القرطبي-رحمه الله-عن إبراهيم النخعي قال: فرجت له السموات السبع فنظر إليهن حتى انتهى إلى العرش , وفرجت له الأرضون فنظر إليهن , ورأى مكانه في الجنة.
وقال الطبري-رحمه الله-واختلف أهل التأويل في تأويل قوله " :{نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}فقال بعضهم: معنى ذلك: نريه خلق السموات والأرض وقال آخرون: معنى ذلك:آيات السموات والأرض وقال الضحاك:{وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}  قال:الشمس والقمر والنجوم. وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب, قول من قال: عنى الله تعالى بقوله:{وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أنه أراه ملك السموات والأرض, وذلك ما خلق فيهما من الشمس والقمر والنجوم والشجر والدواب وغير ذلك من عظيم سلطانه فيهما, وجلى له بواطن الأمور وظواهرها; لما ذكرنا قبل من معنى الملكوت في كلام العرب.وأما قوله:{وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ}
  فإنه يعني:أنه أراه ملكوت السموات والأرض ليكون ممن يتوحد بتوحيد الله, ويعلم حقيقة ما هداه له وبصره إياه من معرفة وحدانيته وما عليه قومه من الضلالة من عبادتهم واتخاذهم آلهة دون الله تعالى .  هذا مما ذكره أهل التأويل والعلم ، وبفضل الله تعالى لن نذهب بعيدًا عن أقوالهم ، وإنما سنضع تفسيرًا لماذا سأل سيدنا ابراهيم ربه هذا السؤال دون غيره من الأنبياء ؟ والبداية من :
استخدام الفعل ( رأى ) وبناءه للمجهول ( نُرى ) له دلائل
الدلالة الأولى  
1.     أنّه يرى رؤية عقلية متأملة واعية وليست نظرة سطحية أو عابرة بالبصر .
2.     أنّه لايرى بالعين المُجرّدة وإنّما بوسيلة وواسطة ( التلسكوبات المُقر ِبَة ) . وإلا كيف عرف أنّ الكوكب أفل دون غيره من الكواكب .
3.      واستخدام ضمير " نا الفاعلين " فى قوله تعالى " نُرى "  نستوحى منه فضل الله والصفات الإلهية المُتعددة التى بفضلها توفرتْ الأسباب المُهيئة لبلوغ سيدنا إبراهيم الغاية المُرادة من خلقه – عليه السلام -  وتعليمه هذا العلم { علم الفلك }ومن ثـّمّ َ التوحيد ثُمّ الدعوة إلى الله والهجرة إليه . 
4.      توفيق الله له ليرى الحقائق فيؤمن بالله ثـُمّ يدعو إليه على بصيرةٍ ويقين .
5.      وهذا لأنّ لفظة ( يرى ) لاتعنى بالضرورة المُشاهدة العينية البصرية ، وإنما تعنى الاستدلال العقلى المبنى على فرضيات، والتى تؤدى إلى نتائج .
فنحنُ لم نشاهد ولم نر ما فعله الله تعالى بالسابقين ولكننا تأكدنا عن طريقين هما :
1.     أنّ القائل هو الله عز وجلّ " ومن أصدق من الله قيلا " ونحنُ نؤمن بها القرآن الذى هو كلام المولى تبارك وتعالى .
2.      من الآثار التى تركها الله لنا للعبرة والعظة والحفريات الدالة على ذلك مِصداقًا لقوله تعالى : " وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ) (يوسف:109)
2. وقوله تعالى: "أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (الحج:46)
2. وقوله تعالى : "أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (الروم:9)
2. وقوله تعالى : "أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً) (فاطر:44)
2. وقوله تعالى : " أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ) (غافر:21)
2. وقوله تعالى : " أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (غافر:82)
2.. واقرأ ما شئت ما يلى قوله تعالى :
   قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [البقرة: 246].
وقوله تعالى: {
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ} [البقرة: 258].
وقوله تعالى: {
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ} [آل عمران: 23].
وقوله تعالى: {
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ} [إبراهيم: 19].
وقوله تعالى: {
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} [إبراهيم: 24].
وقوله تعالى: {
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [إبراهيم: 28].
وقوله تعالى: {
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} [الحج: 18].
وقوله تعالى: {
أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا} [الفرقان: 45].
   ثم نعود لجملة (جنّ الليل )التى تؤكد هذا المدلول ( مدول علمه بالفلك ) لأن أغلب الرصد يكون فى الليل .
وممّا سبق يتضح أنّ رؤية سيدنا إبراهيم ملكوت السموات والأرض لم يكن :
1.      بالعين المُجردة . ( لأنّه لايعرف ولايتعرّف على تأثيرات الكواكب بعضها عن بعض .إلا بالتلسكوب ، فيختار أحدهما ليكون ربّه . ( هذه واحدة )
2.      وبعد الدراسة والموازنة بين الكوكب والقمر وجد أنّ للقمر تأثير أقوى وأوضح .( فاختاره ليكون ربّه وترك الكوكب)
3.      ومن يُسَيّر الكون حينما أفل الكوكب أو القمر .
4.      ثـُمّ اختار الشمس لكبرها وعظم تأثيرها على الحياة فى الأرض .
5.      لم تكن الرؤية هذه رؤية بالعين المُجردة لصعوبة تحديد الكواكب من بعضها ، وصعوبة التعرف على تأثير الكواكب فى الحياة الأرضية ، فلابُدّ أن يكون بواسطة  ( تلسكوبات ومراصد) .
مرحلة الإيمان بالله
   وهنا آمن سيدُنا إبراهيم بالله فقال : " إنّى وجّهتُ وجهىَ للذى فطر السموات والأرض حنيفًا وما أنا من المُشركين 79 " الأنعام    
     وممّا يُؤكد هذا الاحتمال أنه بدأ (بالسموات) قبل (الأرض )لأنه علم بما فيها من آيات على قدرة الله وعظمته فى الخلق فآمن بالله .
وهنا مفارقة غريبة . فواقع مُجتمعه – الذى يعبد الأصنام والكواكب - مرير ويُكذب ما توصل إليه وعلمه واستنبطه بعقله سيدنا إبراهيم .
بمعنى أنّ سيدَنا إبراهيم عندما استشعر التوحيد شك فى نفسه هل هذا هو الحق ؟ وهل ماعرفته هو اليقين ؟
إنّ الواقع بعيد كلّ البعد عمّا توصل إليه سيدُنا إبراهيم 
 ودليل استخدام عقله تأمل محاوراته                
مرحلة الدعوة إلى الله بالحكمة .
1- مع الذى حاجّه فى ربّه .
قال تعالى :" أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ"(البقرة258)
2 - - محاورته مع قومه بعد تحطيم الأصنام ( الكبير الذى فعلها )
قال تعالى : " قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ62 قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ  63"  ( الانبياء)
.............قال تعالى : " ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ " (الانبياء:65)
 فكان يدعو إلى دين الله بالحكمة ( استخدام الأدلة العقلية ) أولا ، يدعو إلى الله على بصيرة   ولكن متى دعا إلى ربّه وهو على بصيرة ؟
عندما أصبح على يقين ممّا هداه الله إليه بإذنه .
 مرحلة اليقين فى الله :
وكما ذكرنا من قبل الواقع كُلّـُه يُكذّب ما توصل إليه سيدُنا إبراهيم ، فالكل يعبد الأصنام والبعض يعبدُ نـَجم الشعرى وغيرها وسيدُنا إبراهيم يريد أنْ يكون على يقين ممّا توصّل إليه بعقله ( أنّه لا إله إلاّ الله ) وهنا سأل المولى تبارك وتعالى : " وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى  ؟ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ  ؟ !!! قَالَ بَلَى  .وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي . { فاستجاب الله لمسألته } قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (البقرة:260)
   فأجاب الله سبحانه وتعالى سؤله ليكون من الموقنين المطمئنين بالتوحيد وقدرة الله على كل شىء .
وقد ظهر هذا اليقين الإيمانى فى سلوكيات يدنا إبراهيم  . نذكر منها على سبيل التذكرة :
1.      حينما إعترض جهارًا على أبيه وقومه ؛ فكانت العداوة منهم له ، لدرجة أن هانَ عليهم فحرّقـُوه .
2.      كان يقينُ سيدِنا إبراهيم عليه السلام حينما أُ ُلقىَ به فى النار.
3.       وحينما هاجر بدينه وحينما .
4.       وحينما ترك ذريته بوادٍ غير ذى زرعٍ وقد رزقه الله الولد على كِبَر – وعلى شوق –  لهذا الولد .
5.      وحين الذبح لولده بعد ما بلغ ابنه مبلغ الرجال والسعى ، وهو فى أمسّ الحاجة إليه ليعينه على السعى بعد الِكبر . والخلاصة من هذه اللقطة الإيمانية العقلانية نستخلص :
*      أنّ سيدَنا إبراهيم أبٌ للأنبياء جميعًا  لأنّه أشدُهم وأكثرهم تنوعًا فى الابتلاءً مِصداقًا لقوله تعالى فى سورة البقرة : "" وَإِذِ ابْتَلَى بْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ{تَعَدُد الابتلاءات} فَأَتَمَّهُنَّ ( صَدَقَ ودَلَل على صدق لإيمانه ) مِصداقـًا
 لقوله تعالى  : " وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (البقرة:265)
فرفعه الله درجاتٍ عالية  قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً ،  قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي  ( مقولة المسرورالمُغتبط  باختيار المولى تبارك وتعالى له إمامًا للناس أجمعين وكان يطمع أنْ تكون الإمامة له و فى ذريته من بعده )
 ( وهُنا توضع قاعدة إلاهية )( فردّ عليه المولى تبارك ونعالى .. ) قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ "  (البقرة:124)
فمن ظلمَ نفسه ولم يتبْ فلن يكون إمامأ للناس فقد قال تعالى : " وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) (الفرقان:74)   
*     جواز التعرف على الله بالعقل والفطرة  ؛ أمّا العبادة فبالمنهج الذى حدده المولى تبارك وتعالى { افعلْ ولا تفعلْ } وسُنـّة رسولنا الكريم مِصداقـًا لقوله تعالى : " وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)(الحشر: من الآية7)
*     وقوله تعالى : " قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (آل عمران:31)
*     وقد أقرّ الإنسانُ بالفطرة: " وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ " (لأعراف:172)( ربنا عَرَفـُوه بالعقل )
*      الإخلاص ثـُمّ الإخلاص ثـُمّ الإخلاص فى الأعمال لله طريق الإمامة والقدوة الحسنة فى سبيل الله .
*      سيدُنا إبراهيم كان أحد عُلماء الفلك { أمّا موضوع الغار وتأملاته وهو طفل ‘ وكانت أمّه تأخذ الغنم ليشرب الحليب لأن ملك عصره قال لأقتلنّ كل صبى  وخلافه كثير ‘ فهذا لايخدم العبرة والعظة من القصة } وهى جواز المعرفة العقلية لله .
*      سيدُنا إبراهيم كان أمّة لأنه أشد الناس ابتلاءً فصبَرَ وصدَقَ { فقد اُبتـُلِىَ فى دعوته ومن قومه–و فى وطنه فهاجر فارًا بدينه – وفى نفسه بالكِبروالعجزِعن الإنجاب و زوجه سارة عاقر وهو يتمنى الولد  – وترك الذرية بوادٍ غير ذى زرعٍ وهو مشتاق لولده - و بذبح ولده اسماعيل بعد بلوغه السعى والاستسلام والإمتثال لأمر الله بذبح ولده وهو البلاء المُبين – وفى قلة الثمرات وادٍ غير ذى زرع ٍ } مِصداقـًا لقوله تعالى : " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ " (البقرة:155)
*وقوله تعالى : " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ " (محمد:31)
*  
*      ولذلك اتخذ اللهُ إبراهيمَ خليلا فقد قال تعالى : " وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً " (النساء:125)
*       

للتعليق والاستعلام  bahaaelgohary@yahoo.com
                                

























تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المقصود من الأمانة فى آية الأحزاب

عظة وعبرة من صاحب الجنّة من سورة الكهف