المقصود بالأهلية بين مُراد الله ومُراد البشر ( من آيات سورة " هود " عليه السلام ) من قصة سيدنا " نوح



بسم الله الرّحمن الرّحيم
مُقدّمة:

    الحمدُ لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على المبعُوث رحمةً للعالمين سيدنا مُحَمّد وعلى من اتبع هداه إلى يوم الدّين .
اهتمامات هذا البحث تدور حول :
1.     المراد من قوله تعالى " إنّه ليس من أهلك "  فى الآيات . المراد من الأهل هنا .
2.   ترجيح رأى على رأىٍ آخر فى المراد من أهل وليس تخطيء أحد من المفسرين .
3.     الهاء فى قوله تعالى " إنـّه عملٌ غيرُ صالح " 
أمّا بعـــــــــــــــــــــــــــــــــد
    إنّ كلمة " الأهل " إذا ما ذُكِرَتْ أمامنا فأول ما يتبادر إلى أذهاننا أنها تعنى ذوى القربى ، وما يربُطنا بهم من علاقة نسب أو مصاهّرة، وهذا لشيوع استخدامها فى هذا المعنى ، ولكن لها استخدامات كثيرة ومدلولات مُتعددة ، سواء بأصلها هذا ( أهل ) مع اختلاف السياق ، أو باشتقاق منها ، وإليكم بعض استخدمات " أهل " كما جاءت فى مُعجم لسان العرب ( بتصرُف ).
" أهل " كما جاءتْ فى مُعجم ( لسان العرب) بتصرُف
الأَهْل : أَهل الرجل وأَهْلُ الدار: ساكنيها وكذلك الأَهْــلة؛ قال بذلك أَبو الطَّمَحان
 وقال ابن سيدة : أَهْل الرجل عَشِيرتُه وذَوُو قُرْباه، والجمع أَهْلون وآهَالٌ وأَهَالٍ وأَهْلات وأَهَلات .
والأَهَالي : جمع الجمع وجاءت الياء التي في أَهالي من الياء التي في الأَهْلين.
وفي حديث رسول الله –
صلى الله عليه وسلم - : " أَهْل القرآن هم أَهْلُ الله وخاصَّته " أَي حَفَظة القرآن العاملون به هم أَولياء الله والمختصون به اختصاصَ أَهْلِ الإِنسان به.
وفي حديث أُم سلمة من حديث رسول الله –
صلى الله عليه وسلم -  : " ليس بكِ على أَهْلكِ هَوَانٌ " ؛ أَراد بالأَهل نَفْسَه - عليه السلام - أَي لا يَعْلَق بكِ ولا يُصيبكِ هَوَانٌ عليهم.
ومن مشتقات الكلمة واستخدماتها 
" اتَّهَل الرجلُ " : اتخذ أَهْلاً؛  " وأَهْلُ المذهب " : مَنْ يَدين به." وأَهْلُ الإِسلام ": مَن يَدِين به." وأَهْلُ الأَمر" : وُلاتُه." وأَهْلُ البيت " : سُكَّانه." وأَهل الرجل ": أَخَصُّ الناس به.
"
وأَهْلُ بيت النبي " - صلى الله عليه وسلم -  أَزواجُه وبَناته وصِهْرُه، أَعني عليًّا، عليه السلام، وقيل: نساء النبي- صلى الله عليه وسلم- والرجال الذين هم آله. وفي التنزيل العزيز:  " إِنما يريد الله ليُذْهِبَ عنكم الرِّجْس أَهلَ البيت ....." ؛ وقراءة " أَهْلَ " بالنصب على المدح كما قال : " بك اللهَ نرجو الفَضْل وسُبْحانك اللهَ العظيمَ " ، أَو على النداء كأَنه قال : " ياأَهل البيت " .
وقوله  - عز وجل - لنوح،
عليه السلام: " إِنه ليس من أَهْلِك " ؛ قال الزّجاج: أَراد ليس من أَهْلِك الذين وعدتُهم أَن أُنجيهم، وقال أيضًـا : ويجوز أَن يكون ليس من أَهل دينك . وأَهَلُ كل نَبيٍّ : أُمَّته .
ملحوظة :
( وهذا المعنى الأخير للزّجّاج هو المُرَجّحُ عندى ( ويجوز أَن يكون ليس من أَهل دينك . وأَهَلُ كل نَبيٍّ : أُمَّته ) وما كتبْتُ هذا البحث إلا لأننى أرى ترجيح هذا المعنى " أَهل الدين "  فى هذا الموضع من الآية  ) .
ومن استخدامات كلمة الأهل :
·  يقولون : " مَنْزِلٌ آهِلٌ " أَي به أَهْلُه. .ابن سيده:
·  و" مكانٌ آهِلٌ "  له أَهْل ؛ سيبويه: هو على النسب، ومأْهول: أى فيه أَهل .
·   وقد جاء : أُهِل بالكسر أى به أهله قال العجاج: المَنازلَ أَهْلِيٌّ وآهِلٌ؛ الأَخيرة على النسب، مُستأنس وغير مستوحش وكذلك قيل لِمَا أَلِفَ الناسَ والقُرى أَهْلِيٌّ ، ولما اسْتَوْحَشَ بَرِّيّ ووحشي كالحمار الوحشي ، والأَهْلِيُّ هو الإِنْسِيّ.
ونَهى رسول الله-
صلى الله عليه وسلم - عن أَكل لحوم الحُمُر الأَهْلية يومَ خَيْبَرَ؛ هي الحُمُر التي تأْلف البيوت ولها أَصْحاب وهي مثل الإُنْسية ضدّ الوحشية.
وأَهَّل به : قال له أَهْلاً .
وأَهِل به ( بكسر الهاء ): أَنِس به . وقال الكسائي والفراء: أَهِلْتُ به وودَقْتُ به إِذا استأْنستَ به ؛ قال ابن بري: المضارع منه آهَلُ به ، بفتح الهاء.
وأَهّـلـَه لذلك الأَمر تأْهيلاً وآهله: رآه له أَهْلاً.
واسْتَأْهَله استوجبه، وكرهها بعضهم، ومن قال وَهَّلتْه ذهب به إِلي لغة من يقول وامَرْتُ وواكَلْت.
·        وأَهْل الرجل وأَهلته: زَوْجُه.
·        وأَهَل الرجلُ يَأْهِلُ ويَأْهُل أَهْلاً وأُهُولاً، وتَأَهَّل: تَزَوَّج.
·        وأَهَلَ فلان امرأَة يأْهُل إِذا تزوّجها، فهي مَأْهولة.
·  والتأَهُّل التزوّج.
وفي باب الدعاء: آهَلَك الله في الجنة إيهالاً أَي زوّجك فيها وأَدخلكها.
·        وهو أَهْلٌ لكذا أَي مُسْتَوجب له ، الواحدُ والجمعُ في ذلك سَواء، وعلى هذا قالوا: المُلْك لله أَهْلِ المُلْك.
وفي التنزيل العزيز: "
هو أَهْلُ التَّقْوى وأَهْل المغفرة "  جاء في التفسير: أَنه - عز وجل - أَهْلٌ لأَن يُتَّقَى فلا يُعْصَى وأَهْلُ المغفرة لمن اتَّقاه، وقيل أيضـًا: قوله " أَهل التقوى " مَوْضِعٌ لأَن يُتَّقى، " وأَهْل المغفرة " موضع لذلك.
·        وروى أَبو حاتم في كتابه عن الأَصمعي: يُقال استوجب ذلك واستحقه ولا يقال استأْهله ولا أَنت تَسْتَأْهِل ولكن تقول هو أَهل ذاك وأَهل لذاك، ويقال هو أَهْـلَه ذلك.
وفي الحديث: أَن النبي
- صلى الله عليه وسلم- " أَعْطى الآهِلَ حَظَّين والعَزَب حَظًّا "؛ الآهل:الذي له زوجة وعيال، والعَزَب الذي لا زوجة له.
وفي الحديث: لقد أَمست نِيران بني كعب آهِلةً أَي كثيرة الأَهل.
وأَهَّلَك الله للخير تأْهيلاً . وفقك الله للخير توفيقـًا ولعد هذا الغرض لاستخدمات كلمة أهل ودلالاتها نستعرض أقوال المفسرين حو الآية موضع البحث :
قال الحافظ بنُ كثير فى تفسير قوله تعالى : " قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (47) "  جاء في تفسيره
هذا سؤال استعلام وكشف من نوح، عليه السلام، عن حال ولده الذي غرق { فقال رب إن ابني من أهلي } أي: وقد وعدتني بنجاة أهلي، ووعدك الحق الذي لا يُخلـَفُ، 
فكيف غرق وأنت أحكم الحاكمين؟ { قال يا نوح إنه ليس من أهلك } أي:
1.الذين وعدت إنجاءهم (1) ؛ لأني (2) إنما وعدتك (3) بنجاة من آمن من أهلك؛ ولهذا قال: { وأهلك إلا من سبق عليه القول } [هود: 40]
2.    والتأويل الثانى أنه ليس من أهل العقيدة وأهل الدين وهذا التأويل هو المرجح لأنّ أهلية الدين والعقيدة هى الأقوى والأعم .
فكان هذا الولد ممن سبق عليه القول بالغرق لكفره ومخالفته أباه نبي الله نوحا، عليه السلام.
وقد نص غير واحد من الأئمة على تخطئة من ذهب في تفسير هذا إلى أنه ليس بابنه، وإنما كان ابن زنية 
، ويحكى القول بأنه ليس بابنه، وإنما كان ابن امرأته عن مجاهد، والحسن، وعبيد بن عمير، وأبي جعفر الباقر، وابن جريج، واحتج بعضهم بقوله: { إنه عمل غير صالح } وبقوله: { فخانتاهما } [التحريم: 10]، فممن قاله الحسن البصري، احتج بهاتين الآيتين. وبعضهم يقول: كان ابن امرأته. وهذا يحتمل (2) أن يكون أراد ما أراد الحسن، أو أراد أنه نسب إليه مجازا، لكونه كان ربيبا عنده، فالله أعلم.
وقال ابن عباس، وغير واحد من السلف: ما زنت امرأة نبي قط،
قال: وقوله: { إنه ليس من أهلك } أي: الذين وعدتك نجاتهم (3) .
وقول ابن عباس في هذا هو الحق الذي لا محيد عنه،
فإن الله سبحانه (4) أغير من أن يمكن (5) امرأة نبي من الفاحشة (6)
ولهذا غضب الله على الذين رموا أم المؤمنين عائشة بنت الصديق زوج النبي صلى الله عليه وسلم (7) ، وأنكر على المؤمنين الذين تكلموا بهذا وأشاعوه؛ ولهذا
قال تعالى: { إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم } إلى قوله { إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم } [النور: 11-15].{قال يا نوح إنه ليس من أهلك} أي الذين وعدت إنجاءهم ، إنما وعدتك بنجاة من آمن من أهلك .
 ولهذا قال: {وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم} فكان هذا الولد ممن سبق عليه القول بالغرق، لكفره ومخالفته أباه نبي اللّه نوحاً عليه السلام، قال ابن عباس: هو ابنه غير أنه خالفه في العمل والنية، وقال عكرمة: إنه عمل عملاً غير صالح، ويروى أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قرأ بذلك.
  إن مقياس الأخرة يختلف عن مقياس الدنيا فالأب يحب أبنه ويتبنا جميع أعماله لكن في العقيدة لاصلة إلا صلة الإيمان ويدل على أن تربية الأبناء هي من عمل الإنسان فأن كان صالح يكون العمل صالحًا والله أعلم.
·        تفسير السعدي لهذه الايه 
فـ ( قَالَ )  الله له) (  إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ) الذين وعدتك بإنجائهم  )
·        ( إنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ )  أي: هذا الدعاء الذي دعوت به، لنجاة كافر, لا يؤمن بالله ولا رسوله. 
)
لا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ  ) أي: ما لا تعلم عاقبته، ومآله، وهل يكون خيرا، أو غير خير.
تفسير البغوي لهذه الايه
)  قَالَ ) الله عز وجل
 )
يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ) قرأ الكسائي ويعقوب: ( عَمِلَ ) بكسر الميم وفتح اللام "غيرَ" بنصب الراء على الفعل، أي: عمل الشرك والتكذيب. وقرأ الآخرون بفتح الميم ورفع اللام وتنوينه، "غير" برفع الراء معناه: أن سؤالك إياي أن أنجيه عمل غير صالح، 
 )
فَلا تَسْأَلْن ) يا نوح، ( مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) . 
قرأ أهل الحجاز والشام (فلا تسألنِّ )  بفتح اللام وتشديد النون، ويكسرون النون غير ابن كثير فإنه يفتحها، وقرأ الآخرون بجزم اللام وكسر النون خفيفة، ويُثبت أبو جعفر وأبو عمرو وورش ويعقوب الياء في الوصل. 
 )
إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) < 4-181 > 
واختلفوا في هذا الابن؛  قال مجاهد والحسن: كان ولد حنث  من غير نوح، ولم يعلم بذلك نوح، ولذلك قال: ( مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) وقرأ الحسن  فَخَانَتَاهُمَا  (التحريم -10( .
وقال أبو جعفر الباقر: كان ابن امرأته وكان يعلمه نوح ولذلك قال ( من أهلي ) ولم يقل مني. 
وقال ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير والضحاك والأكثرون  : إنه كان ابن نوح عليه السلام من صلبه. وقال ابن عباس: ما بغت امرأة نبي قط . وقوله: ( إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ) أي: من أهل الدين  لأنه كان مخالفا له في الدين، وقوله:  فَخَانَتَاهُمَا  أي: في الدين والعمل الصالح لا في الفراش
·         
 وكثيرٌ ما نرى فى القصص القرآنى والكلمات القرآنية ضالتنا التى نبغيها ، فنجد القرآن الكريم  ينير لنا الطريق بتعضيد معانٍ بل ويفسح المجال أمامها ، وهذا ليس إلا أن القائل هو المولى تبارك وتعالى .
ومن جانبنا نحن البشر نجدنا فى كثيرٍ من الأحيان نرى معانٍ لكلماتٍ كما نحبُ أنْ نراها نحن ُ من خلال استعملاتنا ونغفل أن اللفظ القرآنى القائلُ هو الله .
 والأغلب أنه لايُحىّ لنا معنى جديدًا فقط ، بل يُضيف إلينا استعمالا لم نكن لنستخدمه لولا استخدام القرآن له . فالأجدر أنْ نفهم مراد تلك الكلمات على مراد المولى تبارك وتعالى ، لا على مُرادنا نحن ، فكثيرٌ من الكلمات القرآنية تحتاج لرؤيتها من زاوية قائلها وليست من رؤية سامعها أو مُتلقيها ، فكثيرٌ من الألفاظ التى لها معانٍ فى القاموس قد تتطور فى دلالاتها عند استخدامها القرآنى عن استخدام البشر ( فليست الكلمة بمعناها فى نفسها وإنّما بمعناها فى نفس قائلها).
   ومن هُنا ينبغى على أهل العلم تصويب وتصحيح هذه المفاهيم التى تمّ تفسيرها – سابقا – على فهم آخر ومن منظور مُختلف للمراد القرآنى،  حتى يتسنى لهم الفهم السليم والصحيح لمُراد الله تعالى والقصص القرآنى .
  فكلمة{ أهل}فى استعمالات البشر تعنى العشيرة ذات صلة النسب ( الدم – المُصاهرة ) مع أنّ كلمة الأهل كما سبق متنوعة الاستخدامات والمعانى :  
·        فإنّ كلمة ( أهل) ومشتقاتها تكررت فى القرآن الكريم كثيرًا  ولم تأتِ كلها فى مدلولٍ واحد - فجاءت بمعنى ، أتباع أوأصحاب أوذوو كما فى  قوله تعالى : مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ( أتباع الكتاب ) وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ  ...." (البقرة: من الآية105)
·       وجاءت بمعنى ( ساكنيه وقاطنيه ) كما فى قوله تعالى : " وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ ( ساكنيه و قاطنيه ) مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ )( البقرة: من الآية126 )
·        وجاءت بمعنى (أَهْل الرجل عَشِيرتُه وذَوُو قُرْباه)  فى قوله تعالى : " .. لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ .. " من الآية  196من قوله تعالى " .. فمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ )(البقرة: من الآية196) أى ليس من المقيمين بمكة .
·        وجاءت بمعنى أحق وأجدر كما فى قوله تعالى : " هو أَهْلُ التَّقْوى وأَهْل المغفرة   
·        وجاءت بمعنى العشيرة ، وجاءت بمعنى الزوجة ، وجاءت بمعنى الذين آمنوا وأيدوا ونصروا ، مثل :
·        وجاءت بمعنى الزوجة فى قوله تعالى من سورة يوسف قال تعالى : " وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ (زوجتـُك) سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ  "  (يوسف:25)
  قد نستطيع أنْ نكتشف معنـًا جديدًا من استخدام كلمة  " الأهل  " فى مُراد المولى تبارك وتعالى من قصة سيدنا نوح عليه السلام من سورة هود – عليه السلام - .
  وإليكم قِصةِ سيدنا نوحٍ - عليه السلام  - وابنه التى توضح وبجلاء الفرق الواضح بين مفهوم البشر ومراد المولى تبارك وتعالى لمدلول استخدام " أهل ":
الموضوع
جاء فى سورة هود قول المولى تبارك وتعالى لسيدنا نوح : " " حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ 40  وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ41* وهى تجرى بهم فى موجٍٍ ٍ كالجبال ونادى نوحٌ ابنه وكان فى معزلٍ يابنى اركب معنا ولاتكن مع الكافرين 42* قال سأوى إلى جبلٍ يعصمنى من الماء قال لاعاصم َاليوم من أمر الله، وحال بينهما الموج فكان من المُغرَقِين 43 وقيلَ يأرضُ ابلعى ماءك وياسماء أقلعى وغِيضَ الماء وقـُضىَ الأمر واستوت على الجودى وقيلَ بُعْدًا للقوم الظالمين  44 وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ45 * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أََهْلِك إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ46 *  قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ47* :هود

     ألا يخاطبه فى الذين ظلموا أنفسهم لأنّ إهلاك الظالمين  سُنـّة من سنن الله قال تعالى : " وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ  " (هود:37)
وقد أعطى الله سُبْحانه وتعالى سيدنا نوح علامة وهى ثورة البركان ، فإذا ثار البركان إحمل فيها من كلّ زوجين اثنين و أهلَك إلا الذين سبق عليه القول منهم ( الظالمين ) لأنّهم مُغرقون .
اللهَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) سورة هود
قال تعالى : " فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) (المؤمنون:27)
  فقد سبق قول المولى - تبارك وتعالى - ليُهلكنّ الظالمين وسيكون هلاكهم بالغرق ؛ ورغم هذا النهى إلا أنّ عاطفة الأبوة تحركت فى سيدنا نوح وخاطب مولاه فى ابنه وطلب له المغفرة والعفو قال تعالى " وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ .... " ( وعد الله الرّ ُسُل بالمغفرة والعفو لمن اتبعهم من المؤمنين ، والمؤمنون هم أهل الرّسُل ) وقد وجّه سيدُنا نوحٌ الدعوة لابنه ولم يستجب لقوله تعالى : "  .... ونادى نوحٌ ابنه وكان فى معزلٍ يابنى اركب معنا ولاتكن مع الكافرين 42 " ولكنّ ابنه استكبر وعصى  فكان من المُغرقين .
   وهُنا تحركت عاطفة الأبوة فى سيدشنا نوح ودعا المولى تبارك وتعالى أن يغفر لابنه وتعلل بأنّ ابنه من أهله ، وهذا المطلب لسيدنا نوح من مولاه تبارك وتعالى دل على عدم وضوح معنى الأهلية فى نفس وفكر سيدنا نوح عليه السلام  فقال له المولى تبارك وتعالى : "  قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أََهْلِك إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ " 46 .
  وفى هذه الآية وهذا الرد من المولى تبارك وتعالى يتضح ما يلى : ( كلمة عمَلٌ على الإسمية فى قراءة
       أو فى قراءة أخرى عَمِلَ على الفعلية ) مرة تُقرأ على أنها اسم ، وتُقرأ فى قراءة على أنّها  فعل )
1.                   أمّا إذا كانت ( عملٌ ) على الاسمية تعنى ( أىْ أنّ السؤال الذى تسألُه عملٌ غير صالح ) لأنّك تتشفع لعبد عصاك ولم يُطعْك .
2.                   على الفعلية ( أى أنّ ابنك الذى تتشفع له قد عَمِلَ عَمَلا غيرَ صالحٍ فكيف تتشفع لعبد عصى وتكبر وخـُتِمَتَْ أعماله بعملٍ غير صالح ) وهو العصيان وكلا المعنيين صواب .
3.                   ثمّ قوله تعالى : "  فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ " مما يدل على أنّ المراد مختلف والمدلول بين طرفى الحوار مُختلف .
4.                   ثمّ تزييل الآية بقوله تعالى : " إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ " فهذه موعظه من الله ألا يكون سيدنا نوح من الذين يجهلون مقاصد الهدى الربانى .

وهنا استغفر سيدُنا نوحٌ ربّه وقال كما حكى المولى تبارك وتعالى : " قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ47* :هود
إنّها سُنّة الله فى كل من ظلم واستكبر يُهلكه الله .... ومن ظلم نفسه واستغفر غفر الله له وتاب عليه .
فقد سبق الكل سيدُنا آدم باستغفاره لما عصى ربّه ، وأكل من الشجرة ؛ فتاب الله عليه قال تعالى : " قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (لأعراف:23)
وقد عصى الشيطان أمر المولى تبارك وتعالى ولكنّه استكبر وأبى أن يثوب ويتوب لله فطرده الله من رحمته . قال تعالى : " وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) (البقرة:34)
قال تعالى : " حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ 40  وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ41* وهى تجرى بهم فى موجٍٍ ٍ كالجبال ونادى نوحٌ ابنه وكان فى معزلٍ يابنى اركب معنا ولاتكن مع الكافرين 42* قال سأوى إلى جبلٍ يعصمنى من الماء قال لاعاصم َاليوم من أمر الله، وحال بينهما الموج فكان من المُغرَقِين 43 وقيلَ يأرضُ ابلعى ماءك وياسماء أقلعى وغِيضَ الماء وقـُضىَ الأمر واستوت على الجودى وقيلَ بُعْدًا للقوم الظالمين  44 وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ45 * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أََهْلِك إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ46 *  قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ47* :هود
 الكلمات محل البحث   ( إنّ ابنى من أهلى     -     إنه ليس من أهلك     -    إنّه عمًلٌ غيرُ صالح ٍ)
فسيدُنا نوح يُنادى ربّه مُستشفعًا لابنه الذى هو من أهله ( صلة دم ) وهذا هو مفهوم الأهلية عند- سيدنا نوح -  تعنى أهلية النسب والدم  ، مُقرّا بأنّ وعدَ الله حقّ لأنّ الله وعده بالنجاة هو وأهله معه  .قال تعالى : " قال تعالى : " حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ 40"
        وهنا يُعلمُنا المولى تبارك وتعالى فى شخص سيدِنا نوح عليه السلام مراده من الأهلية  .
       فحكى المولى تبارك وتعالى : ( قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أََهْلِك ....) وهنا يتضح اختلاف فى المُراد من الأهلية لدى البشر ومُرادها عند المولى تبارك وتعالى .
فما المقصود إذ ًا ؟  يظنّ ُالبشر بألأهلية أهلية النسب والمولى تبارك وتعالى يريدها أهلية الدين ، ونبّه المولى تبارك وتعالى أن الشفاعة للكافرين أو حتى الاستغفار لهم لايُجدى بشىء .
      ولذلك قال المولى تبارك وتعالى عن استغفار سيدنا إبراهيم – عليه السلام - لأبيه آزر أنّ هذا الاستغفار كان وفاءً من سيدنا إبراهيم بوعده لأبيه عندما قال له أبوه " ...واهجرنى مليًا ....."من سورة مَريم  فقال له سيدُنا إبراهيم : " سأستغفرُ لك ربى إنـّه كان بى حفيًا "وقوله للرسول صلى الله عليه وسلـّم" ... إنْ تستغفر لهم سبعين مرة فلنْ يغفرَ الله لهم "
و يُـؤكِدُ هذا المعنى- معنى أهلية الدين - قوله سبحانه وتعالى: "..... إنّما المؤمنون إخوة .." الحجرات
   وقوله سبحانه وتعالى :" إنّ الذين ءامنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم فى سبيل الله والذين ءاووا ونصروا أولئك بعضـُهم أولياء بعضٍ والذين آمنوا ولم يُهاجروا مالكم من وَلايتهم من شىءٍ حتى يُهاجروا ، وإنْ استنصروكم فى الدين فعليكم النصر إلاّ على قومٍ بينكم وبينهم ميثاق ، والله بما تعملون بصير 72  والذين كفروا بعضهم أولياء بعضٍ إلاّ تفعلوه تكنْ فتنة ٌ فى الأرضِ وفسلدٌ كبير 73" الأنفال
  نُلاحظ  فى هذه الآية أهلية العقيدة . فالعقيدة تجمع وتربط  كل أصحاب فكر مع بعضهم فالمؤمنون بعضهم أولياء بعض وعلى الضد والنقيض الكافرون بعضهم اولياء بعض وإن اختلفت أنسابهم .
  وقد قالها رسولِ الله – صلى الله عليه وسلـّم – فعلا وقولا ، حينما هاجر للمدينة ، آخى بين الأوس والخزرج وبين المهاجرين والأنصار .
وقوله- صلى الله عليه وسلم -  لابنته فاطمة : " اعملى فإنّى لاأغنى عنك من الله شيئًا "
 وأمّا قوله سبحانه وتعالى :"...إنّه عمَلٌ غيرُ صالحٍ ٍ..." ضمير الهاء فى{ إنّه }إمّا أنْ  يعود
 1 - على سؤال سيدنا نوح الرحمة لابنه  ( كما وضحنا فيما سبق ).                  
2 – وقد يعود الضميرعلى ابنه شخصيًا الذى هو من أهله .
   وسواءٌ رجحنا هذا التفسير أو ذاك على قراءة " حفص " أو غيره من القراءات أنّ ضمير الغائب " الهاء  " فى قوله تعالى : " إنّه عملٌ غير صالح " يعود على سؤال سيدنا نوح ربّه ليتغمد ابنه بالرحمة والمغفرة ، أو على عمل ابنه الذى عملَ عملا غير صالح  فإنّ المولى تبارك وتعالى نهى سيدَنا نوح عن مُخاطبته ( هذه ) فى الظالمين والاستشفاع لهم .
   وهذه هى الأهلية كما نفهمُها من هذه القصة قصة سيدُنا نوح ٌ .
    كم نتعلـّم من القصة ، أنّ  مجرد سؤال الرحمة أوالمغفرة لمن مات معاندا للحق كافرا به ، وخـُتِمَ له بعملٍ غير صالح ،  يعتبر ذنبًا تجب التوبة فيه ، ولذلك قال سيدنا نوح كما أخبرنا المولى تبارك وتعالى : *  قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ 47  " "هود
وهناك فى مُستعرض القرآن ما يد لل على هذا المعنى أنّ الأهلية فى مُراده سبحانه يُقصدُ بها أهلية الدين أولا وأخيرًا .
فالدليل على أن الأهلية هى أهلية الدين والفكر.
   إنّ ذرارى الأنبياء جاءت مُختلفة فى اتباع الهدى
 قال تعالى :"ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ32" فاطر
وقال تعالى عن سيدنا إبراهيم : " وبَشـْرناه بإسحاق نبيًا من الصالحين 112 وباركْنا عليه وعلى اسحاق ومن ذريتهما مُحْسنٌ وظالمٌ لنفسه مبين 113  فمن ذرية الأنبياء وأحفادهم جاء مؤمن وغير ذلك .
ثُمّ جاء سيدُنا مُحمّدٌ عليه وعلى أبيه إبراهيم الصلاة والسلام وقال : " أنا خيارٌ من خيار ٍ منْ خيار ٍ "      فهل كان يعنى رسولُ الله -  صلى الله عليه وسلـّم – اتصال نسب الدم بسيدنا ابراهيم أم نسب الدين والعقيدة ؟ ( والحنفية السمحة) التى هى الاستسلام  والانقياد التـّامّان لله سبحانه وتعالى كما جاء فى الآية " فَلمّا أسلما ( لأمر الله وقضائه ) وتلـّهُ للجبين "   103ص 
قال تعالى : " وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) (النساء:125)
 قال تعالى : " قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)(الأنعام:161) 
 قال تعالى : " إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (النحل:120)
قال تعالى : " ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (النحل:123)
فأبوة  ُسيدُنا إبراهيمُ للأنبياء ليست أبوة نسب بقدر ما هى أبوة عقيدة ودين ٍ فالكل ا ُبْـتـُلى كما ا ُبـْتـُلِى أبوهم إبراهيم والكل صبر على ما ا ُبـتـُلِىَ به ‘ وإنْ اختلفوا فى شدة الابتلاء ونوعِهِ .
والذى يُرجح هذا المعنى ما جاء فى سورة البقرة  قال تعالى:" وإذ ابتلى إبراهيمَ ربـُّه بكلماتٍ فأتمهنّ ، قال إنى جاعلُكَ للناسِ إماما ، قال ومن ذريتى ، قال لاينال عهدى الظالمين "
 وقوله تعالى على لسان سيدنا إبراهيم لتوضح و بجلاء لالبس فيه براءة سيدنا إبراهيم -عليه السلام - من أهله وقومه ما داموا على غير الحنيفية السمحاء والإسلام : " قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (الممتحنة:4)
وسواء ( آزر هذا هو أبو سيدنا إبراهيم أو عمّه ) فهو مرتبط بسيدنا إبراهيم بعلاقة النسب والدم ، ورغم ذلك ليس من أهله لأنه خالفَ سيدنا إبراهيم فى عقيدته .
فهذه الآية تكشف وتدلل على أنّ :
1                   - سيدَنا إبراهيم أبوالأنبياء عقيدةً ودينًا : (الإسلام والحنيفية ) لأنّه أشدُهم ابتلاءً وأكثرهم تنوعًا فى الابتلاء وقد اجتاز جميع الابتلاءات بتفوق { ولذلك كان إبراهيمُ - عليه السلام – أمّة ومن هنا كانت الجائزة من الله أنْ يتخذه الله خليلا وجعله إمامًا للناس جميعًا  قال تعالى : " واتخذ الله إبراهيم خليلا "  وقال تعالى : " ، قال إنى جاعلُكَ للناسِ إماما.
2                         ليست ذرية سيدنا إبراهيم ( التى يربطهم الدم ) من المؤمنين فمن ذريته المُقتصد المعتدل الوسطى ، ومنهم محسنٌ متفضل يُقرض الله قرضا حسنا ، ومنهم ظالمٌ لنفسه مبين .  
3-                      مَن أخلص لله كسيدنا إبراهيم والأنبياء اُبْـتـُلِى كما أُبْـتـُلى سيدنا إبراهيم والأنبياء
قال تعالى : " ولنبلونـّكم بشىءٍ من الخوفِ والجوعِ ِونقصٍ من الأموال ِوالأنفس ِوالثمرات ِوبشرْ الصابرين  155  الذين إذا أصابتهم مصيبة ٌ{ ممّا سبق }  قالوا إنّا لله وإنّا إليه راجعون  156 أولئك عليهم صلواتٌ من ربّهم ورحمة وألئك هم المهتدون  157 البقرة
وقال تعالى فى سورة العنكبوت : " أحسِبَ الناس أنْ يقولوا آمنا وهم لايـُفتنون 2 ولقد فتنـّا الذين من قبلهم فليعلمنّ الذين صدقوا وليعلمنّ الكاذبين  3 "}العنكبوت  
     وقوله تعالى : " الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ " (الملك:2)
     وغيرها كثير وهذه سُنـّة الله فى الذين آمنوا - من قبل – جعلهم الله أئمة للناس وقدوة وأسوة حسنة  للناس كما أعطاها لأبيهم إبراهيم من قبل . فلن ينال ظالمٌ هذه الإمامة فى الله ٌ .
4-                 إنّ طلب المغفرة للكافرين ذنبٌ تجبُ التوبة منه .
قال تعالى : " *  قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ47* :هود
قال تعالى : " وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) (التوبة:114) وفى سورة مَريم  قال تعالى على لسان سيدُنا إبراهيم- عليه السلام  - : " سأستغفرُ لك ربى إنـّه كان بى حفيًا "
     قال تعالى : " فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ " 101 المؤمنون 
5                   - وبُناءً علي ما سبق نستطيع أنْ نستنتج أنّ بنى اسرائيل فى القرآن لا تعنى صلة النسب ،  وإنّما تعنى اتباع فعلٍ وعقيدة ، فمن قسا قلبُه لأنّ الحقد والغلّ ملآ قلوبهم لاتباعهم الشهوات فهو من بنى اسرائيل ؛ ويرجع سبب التسمية ببنى اسرائيل لأنّ أخوة يةسف – وهم بنو اسرائيل - تآمروا على أخيهم وباعوه بدراهم معدودة وهان عليهم وكل هذه من دلائل قسوة القلب ؛ كما اتهموه وأخوه بالسرقة دون دليل  .
  فرغم صغر سنـّهِ واحتياجه للرعاية من أبيه فهو- أىْ سيدنا يوسف -  فى أمس الحاجة لحدب أبيه عليه ؛ إلا أنّهم اتهموا سيدنا يعقوب - أباهم - بأنّه يُحبّ سيدنا يوسف أكثر منهم ؛ ومن هنا فكروا وتآمروا للتخلص منه فالحقد والحسد اللذينِ أعميا بصيرتهم ؛ وكذلك بنو اسرائيل الموجودون حاليًا هم يتبعون السابقين فى  الفعل ِ والفكر والعقيدة وليست تبعيتهم تبعية نسلٍ ونسب ودم فهم شتات من كل صوب وحدب .
قال تعالى : "فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (المائدة:13)
   وقال تعالى : " فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام:43)
وقال تعالى :ثم قستْ قلوبُهم فهى كالحجارة أو أشدُ قسوة وإنّ الحجارة لمَايتفجّرُ منها الأنهار وإنّ منها لما يشقـّقُ فيخرجُ منه الماء وإنّ منها لما يهبـِطُ من خشية الله وما الله بغافلٍ عما تعملون"74البقرة
فقد تكون الحجارة أكثر نفعًا ولينًا من هؤلاء .
      فالانحراف عن العدل والاعتدال وهما شرعتا الله فى الأرض يُولد قسوة فى القلب. بل ويتعدى هذه إلى تحريف معنى الآيات والمراد منها إمعانًا منهم فى الضلال ، ويضلون غيرهم بالكذب قال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ " (آل عمران:118) )
وقال تعالى : " وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) (المائدة:14)
 وقال تعالى : " وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ " (المائدة:64)  فيتخلى الله عنهم لأنهم نسوا الله فأنساهم أنفسهم وتركهم فى ضلالهم يعمهون . ( وهى سُنّة الله )
وجاءت آيات سورة ( هود ) بأحداثها المعروفة لتؤكد وترجح هذا التأويل ففى قصة سيدنا لوط وزجه التى خانته ( بإفشاء سرّه لقومه ) فهى من أخصّ أهله على ما نفهم نحن أمّا مراد اللفظة عند المولى تبارك وتعالى تعنى المؤمنين الذين آمنوا معه الذين أمنوا بما جاء به من الحق ؛ قال تعالى : "  قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ ( المؤمنين ) بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ "  (هود:81) فرغم أنّ امرأته من أهله إلا أنّه أُمِرَ بتركها
وقال تعالى : " فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ ( المؤمنين ) بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ " (الحجر:65)
ملحوظة : الإمامة نوعان :
1-                              إمامة فى الله مثل الأنبياء والمرسلين والصالحين وحسُن أولئك رفيقًا .                  
2-                               وإمامة تهدى إلى النار كقوم فرعون جعلهم الله أئمة يهدون للنار .

للتعليق والمُراسلة bahaaelgohary@yahoo.com

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المقصود من الأمانة فى آية الأحزاب

عظة وعبرة من صاحب الجنّة من سورة الكهف